هي حرب نفسية وإعلامية وثقافية ودينية ورمزية.. يتم تصديرها للوعي العالمي الدّولي والعقلية الغربية بالدرجة الأولىٰ؛ يليها بقية العالَم.. فالمعركة تُدار بلا ريب علىٰ ساحة مزدوجة: ميدانية وعقائدية.. كل يُوظّف رموزه ويُرسّخ سرديته.
مُولعٌ هو الاحـ..ـتلال باستخدام الأساطير في تبرير أطماعه الاستعـ..ـمارية؛ وذلك بربطها بالتاريخ الديني المقدّس (لديه)؛ كامتداد لإرادة إلهية مزعومة !!
في عين الوقت يُحرّم علىٰ الدّول المحيطة أن تستند إلىٰ شرعتها وقوانينها الدّينية والفقهية؛ ويرسل وفوده الغربية المتعاونة لتحويل منطقتنا العربية والإسلامية لدول علمانية؛ تنفض يدها من معتقداتها لأجل التعايش مع "الآخر" !!
رغم أنّ "الآخر" هذا يستحضر أساطيره الدينية في كل وقت وحين (وهي التي خطها بيده وحَرّفها بهتانًا وزورًا وليست من قول أنبيائهم).. بل ويتباهىٰ بدولته اليـ..ـهووودية.. ويُصدّر لنا "ديانة إبراهيمية" لم يُنزل الله بها من سلطان.. وإبراهيم -عليه السّلام- منها براء.. فما كان يهوديًّا ولا نصرانيًّا بل كان حنيفًا مسلمًا !!
يستحضر عـ..ـدونا اسم "جـ..ـدعون" التـّ..ـوراتي.. في مصطلحه الحـ..ـربي: "عربات جـ..ـدعون".. أو "ميركافوت جـ..ـدعون".. ضد "المديانيين"..
وهذا ليس مجرد اسم لعملية عسـ..ـكرية، بل يحمل رسائل رمزية قوية، حيث يعود الاسم إلىٰ "جـ..ـدعون"، القائد التّوراتي الذي خاض معارك ضد "المديانيين"، وتُقدّمه نصوصهم (المُحرّفة) كمنقذ لبني إزرااااييل.
وسبق أن استُخدم الاسم في "عملية جـ..ـدعون" عام 1948؛ لاحـ..ـتلاااااال منطقة "بيسان" وتهـ..ـجير أهلها الفلـ..ـسطينيين.
وقد استَخداموا هذا الاسم ثانيةً؛ إشارةً إلىٰ نية الاحـ..ـتلااااال الشّامل والمخطّط التّطـ..ـهيري المُمنهج، وكأن عـ.ـدونا يُعيد إنتاج "نكـ..ـبةٍ" جديدةٍ بأدواتٍ حديثةٍ، بنفس الذّهنية الاستعـ..ـمارية القائمة علىٰ السيطرة والتّهـ..ـجير القسـ..ـري.
أمّا "الميديانيين".. فيُقال أنّها نسبة إلىٰ قوم "مَدين".. ويُعتقد أنّهم قبيلةٌ عربيةٌ بدويةٌ كانت تسكن شمال غرب الجزيرة العربية.. عملت بالتّجارة ورعي الغنم.. وقيل أنها "أصحاب الآيكة" من قوم "شُعيب" -عليه السّلام- وقيل أنّها مَن باعت سيدنا يوسف -عليه السّلام- وهو صغير.. وقيل أن سيدنا موسىٰ -عليه السّلام- عاش معها فترة من الزّمن؛ حين تزوج ابنة "شعيب" التي كانت تمشي علىٰ استحياء.
هنا تَرُد المـ..ـقاااااومة الفلـ..ـسطينية باستخدام اسم "حـ..ـجارة داوود" لسلسلة عملياتها الأخيرة، بطريقة حكيمة وذكية، إذ يحمل الاسم أبعادًا دينية ونفسية وتاريخية ذات دلالة عميقة.
فالتسمية تعود لقصة النّبي "داوود" -عليه السّلام- في الرؤية الإسلامية، حين انتصر بمقلاعٍ وحـ..ـجرٍ صغيرٍ وبإيمانه على "جالوت" الجبار، في إشارة رمزية إلىٰ انتصار الضّعيف بالحق علىٰ القوي بالبطش أو بآلة قمع مُدجّجة.
وهذا الاختيار يُعيد صياغة المعادلة الرّمزية، حيث طالما احتكر الاحـ..ـتلااااال الصّـ..ـهيوووني الإرث الدّيني لشخصية "داوود"، معتبرًا إياه أحد رموز ملوك "إزراااييل" التّاريخيين، وبذكاءٍ شديدٍ يتم سحب هذه الرّمزية؛ وإعادة تقديمها كرمز لـ "المظلوم في وجه الغاصب".. كما أن الذكاء يكمن كذلك في اختيار كلمة "الحـ..ـجارة".. وهي وثيقة الصّلة بفلـ..ـسطين وشعبها وكفاحه وانتفاضاته، مهما بدا السّلاح بسيطًا.. لكن النّـ..ـضال لا ولن يتوقف.
كما أنه يحمل تأثيرًا نفسيًا واضحًا على المجتمع الصـّ..ـهيووووني، الذي يرىٰ في "داوود" جزءًا من هويته، ما يجعل من استخدام هذا الاسم في عمليات عسـ..ـكرية ضده حركة موجعة له نفسيًّا.. وكأن الرسالة الفلـ..ـسطينية تقول: "هذا نبيكم أو مَلككم داوود، لكنه هذه المرّة ليس في صفّكم".
لقد أصبح الصـّ..ـراع الآن علىٰ المعنىٰ والذّاكرة.. والقدرة علىٰ تسويق الرّمز في الوعي العالمي ومواجهة آلة الإعلام الغربية، وتفكيك رموز الاحـ..ـتلاااال الضالّة المُضلة.. ليدرك العالَم أن "حجارة داوود" إن هي إلا سردية شعب حقيق عليه أن يقاوم كي يبقىٰ لا كي يغتصب حق غيره.
-------------------------------
بقلم: حورية عبيدة